قصة اكتشاف مانويل جورج دو ميلو لمازغان سنة 1502، قراءة في رسالة الملك إيمانويل الأول إلى هذا القائد غير المحظوظ

PDF: قصة اكتشاف مازغان

كثيرا ما ارتبطت بعامل الصدفة قصص الغزوات الاسبانية والبرتغالية لمراسي السواحل الافريقية ولبلدان في ما وراء البحور خلال القرنين  15 و 16 حيث يزعم بعض المؤرخين أو الكتاب أن اكتشاف هذه المواقع « المجهولة » كان نتيجة جنوح الأساطيل البحرية، وذلك قصد الإثارة التي يعتمدونها لتقديم عمليات الغزو هذه في إطار الحركات الإستكشافية الجغرافية ـ

 فقد ربط الكثير من الكتاب احتلال البرتغاليين لمازغان بقصة اكتشاف مانويل جورج دو ميلو لخليج مازيغان سنة 1502 بعد جنوح أسطوله إلى هذا الموقع تحمله رياح قوية من البوغاز

حيث كان هدفه الاستيلاء على تارﯕة المتواجدة على بعد 40 كيلومترا شرق تطوان على ساحل البحر الأبيض المتوسط (1). عرفت هذه القصة تحريفات جعلت منها ملحمة دفعت البعض ليزعم أن  احتلال منطقة  مازغان تم في تلك الفترة (1502) وأن تشييد البرتغاليين لحصن مازغان، الذي يسميه البعض خطأ الحصن الملكي (كاستيلو ريال)، كان سنة 1506 (2) ــ

  حسب القصة التي رواها لويس ماريا دو كوتو  دي ألبوكيرك دا كونَّا  فإن اكتشاف مانويل جورج دي ميلو لمرسـى مازيغان سنة 1502 نتج عن رياح عاصفة حالت دون دخول أسطوله مضيق جبل طارق فجنحت  بعض سفنه داخل البحر في اتجاه الجنوب  إلى أن وصل  البر على بعد فرسخين غرب أزمور بالقرب من  برج الشيخ (البريجة). نزل مانويل مع رجاله إلى البر حيث وجدوا منطقة غير آهلة بالسكان . استولوا على القلعة (المدينة) المهجورة و شرعوا في  البناء لكن أهالي الدواوير المجاورة منعوهم من فعل ذلك . عاد مانويل إلى البرتغال ليطلب من الملك السماح له ببناء تحصينات على حسابه و ترك بالقلعة اثنا عشر رجلا مسلحا مع كمية من الزاد لحراستهاـ عند رجوع دو ميلو من البرتغال بالمواد و العتاد اتفق مع رجاله على بناء قلعة مكان مازغان القديمة (مازيغان) لكن، رغم صمودهم  عدة أشهر للهجمات المتكررة لسكان الدواوير المجاورة  و مدينة أزمور، خاب أملهم فاضطروا  للانتقال  إلى البريجة التي توجد على بعد نصف ساعة من السير، ومن هذا الموقع غادروا المنطقة (أبحروا) في اتجاه البرتغال (3) ـ

 رغم أن رواية لويس ماريا تحمل معلومات قيمة تشير إلى مدينة مازغان القديمة ـ مازيغان ـ التي كانت مهجورة في بداية القرن السادس عشر وتعطي فكرة عن المسافة التي تفصلها عن البريجة (برج بحري أو منارة بحرية فوق صخور الهضبة القارية) حيث بنى البرتغاليون أول حصن لهم سنة 1514 قبل أن يشيدوا حوله مدينة محصنة ابتداء من سنة 1541ـ فإن ما قد يكون نقله هذا المؤرخ من مخطوط يعود للقرن 18 (4) حول جنوح الأسطول من مضيق جبل طارق إلى غاية مرسى مازيغان الطبيعي لا يمكن اعتابره صحيحا كما سيتضح لنا من المعطيات التالية : ـ

 ـ رسالة الترخيص من الملك البرتغالي إيمانويل الأول لمانويل جورج دو ميلو 21 مايو 1505.ـ

lettre Manuel

 يتضح  من هذه الرسالةـ أن الملك إيمانويل رخص  لمانويل جورج دو ميلو باحتلال المدينة ـ المرسى مازيغان باعتباره قائدا عسكريا (قائد الخيالة الرماة) من رجال البلاط،  وبما أن هذا القائد ليس جغرافيا أومستكشفا قد نتساءل حول الهدف من زيارته الأولى لمنطقة مازيغان بأمر من الملك البرتغالي. ـ

  تشير نفس الرسالة إلى أهمية المنطقة من الناحية الاقتصادية (الفلاحية والتجارية) والبشرية، وكيف ينبغي أن يعود بالنفع على المملكة البرتغالية بناء مدينة حصينة بهذه المنطقة التي يعرف البرتغاليون أهميتها منذ عدة سنوات. ـ

 مجموعة من الوثائق التي يمكن الاعتماد عليها تؤكد أن البرتغاليين كانوا يعرفون جيدا المنطقة وخصوصا مرسـى ومدينة مازيغان التي تشير إليها جميع خرائط الموانئ وخرائط الكرة الأرضية التي ظهرت منذ القرن الرابع عشر. وقد كانت للبرتغاليين مصالح تجارية بالمنطقة في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، وازدادت أطماعهم عندما فرضوا في صيف 1486 على أهالي مدينة أزمور وبني هنا أداء الجزية وتقديم الولاء والطاعة  للملك ألفونس الخامس . نجد في رسالة بابوية مؤرخة بروما في 17 يونيو 1499 أمرا ينص على ضم مازيغان مع أزمور وتيط (مولاي عبد الله) والغربية إلى أبريشة (كنيسة) أسفي. ـ

      في بداية ملكه جدد إيمانويل الأول سنة 1497م معاهدة السلام والصداقة مع أهالي مدينة أزمور والدواوير المجاورة لها وعين ممثلين له بمرسـى مازيغان (مازغان) ، مجموعة من المراسلات ما بين الملك البرتغالي وموظفيه تؤكد لنا تواجدهم بمازيغان في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، فهذا بِيدْرُو مِينْدِيزْ   يخبر الملك إيمانويل الأول في رسالة مؤرخة في 6 ديسمبر 1502 موجهة من مازيغان (مازغان القديمة) أن  أحد وكلائه التجاريين (الفُورْمَا) من أهالي المنطقة يدعى سالم بنْعُمر يقترح على الملك البرتغالي بناء قلعة حصينة   بمازيغان على نفقته في حالة ما إذا توصل بهدايا ليسلمها إلى أعيان المنطقة، وأن يتكلف  كذلك من طرف الملك البرتغالي بتسيير القلعة والسفن البرتغالية مقابل أجرة يتوصل بها(4).ـ

قد يعتبر بعض المؤرخين، اعتمادا على المراسلات المتبادلة بين الملك إيمانويل وممثليه بمازغان القديمة (مازيغان الصنهاجية) في مطلع القرن السادس عشر أن مازغان أسست من طرف البرتغاليين في هذه الفترة ؛ فهذا المستكشف البرتغالي باشيكو بيريرا دواريتش الذي زار السواحل المغربية في نهاية القرن 15 بأمر من الملك إيمانويل الأول أشار إلى مرسى مازيغان (مازغان ـ أو مازغاو عند البرتغاليين) وحدد موقعها وذكر أهميتها كمركز لتصدير الحبوب للبرتغال واسبانيا كما ذكر أن في نفس هذا الموقع (الخليج) وعلى بعد فرسخين برتغاليين من آزمور (12 كيلومترا تقريبا) توجد أطلال مدينة مازغان  المخربة والمهجورة (5)ـ وبما أن التقارير التي أنجزها هذا الجغرافي المستكشف تعتبر من أسرار الدولة البرتغالية فلم تظهر إلا سنة 1896على شكل مخطوط تحث ـ العنوان اللاتيني إيسميرالدا دو سيتو أوربيس

(Esmeraldo de Situ Orbis)

تصميم مازيغان البريجة
موقع البرج البحري (البريجة) ومازيغان (مازغان القديمة)

مدينة مازغان القديمة (مازيغان)، التي تؤكد المراجع العربية بأنها كانت متواجدة في عهد المرابطين،أشار إليها مارمول دو كاربخال في منتصف النصف الثاني من القرن السادس عشر باسم « المدينة »؛ المدينة هذه ظهرت على خرائط نهاية القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر و وطنها الخرائطيون بالقرب من قلعة مازغان البرتغالية (البريجة) في اتجاه آزمور. كما أشارت لها مجموعة من الوثائق البرتغالية بعد بناء قلعة مازغان البرتغالية باسم مازغان أو مازغاو فِيلُّو (مازغان القديمة)، وقد اعتبرها التاجرالفرنسي لويس شينيي، الذي تقلد منصب سفير فوق العادة لبلاده لدى السلطان سيدي محمد بن عبد الله ، بأنها مدينة تيط (رباط مولاي عبد الله الموجود بالجنوب الغربي للجديدة أو مازغان) في كتاب له حول المغرب من خلال رحلته من الرباط إلى آسفي سنة 1781 ـ كما وصفها إدوارد ميشو بلير في عشرينات القرن الماضي  في المجلد الثاني حول جهة دكالة (الكتاب الحادي عشر من سلسلة مدن وقبائل المغرب) والمخصص لمدينة أزمور وضاحيتها عند تقديمه لفحص المجاهدين. وقد يبدو أن تحريف مجموعة من الأشخاص- لكي لا أقول الكتاب المختصين ـ  لما ذكره ميشو بلير جعلهم  يطلقون على أطلال مازيغان اسم  » مدينة المجاهدين » ويؤكد البعض منهم، بدون إثبات، أنها أسست في عهد تحرير القلعة مازغان البرتغالية (البريجة) سنة 1769. ـ

أنقل هنا عن ميشو بلير شهادة أهالي المنطقة  » يقول أهالي الدوار القريب من أطلال المدينة المخربة،(يقصد دوار الغربية) أن الساحة أو المنطقة المتواجدة بين هذا الدوار و أطلال المدينة يسمى مَجْمَعْ المْجاهْدين »ـ إن هذه الشهادة تؤكدها مجموعة من الوثائق البرتغالية التي تشير إلى أن هذا الموقع بالإضافة إلى التكني (الضاحية الجنوب-شرقية للمنطقة الصناعية بالجديدة) ونقطة ثالثة أخرى غرب الجديدة تعتبر محطات لرباط المحاربين المغاربة الذين يأتون لحصار البرتغاليين.(6)ـ

نتمنى أن تنال منطقة مازغان القديمة نصيبها من البحث الأركيولوجي ؛ فقد سبقت الإشارة إلى العثور على مجموعة من اللقى الأركيولوجية المهمة خلال النصف الأول من القرن العشرين: نقود رومانية، أدوات حجرية منقوشة أو مصقولة. ومن المحتمل جدا حسب الوثائق الرسمية البرتغالية أن البرتغاليين اتخذوها مقاما لهم ما بين 1513 و 1542 قبل بناء قلعة مازغان.ـ

Mazighane - Copieـ


 المراجع
ـ (1)ـ- أشار الراوي دو غويس (النصف الثاني من القرن 16) في كتاب « وقائع الملك إيمانويل الأول » لمحاولة غزو تاركة سنة 1502من طرف القائدين جورج دو ميلو و جورج داغيار   لكنهما منيا بهزيمة قاسية حيث قتل وجرح عدد كبير من الجنود البرتغاليين- لم يشر دو غويس إلى جنوح سفن هذا الأسطول في اتجاه جنوب المحيط الأطلسي.ـ
D. de Gois- Chronica de D. Manuel- Ier

 ـ (2) – أشار جوزيف غولفن في هذا المؤلف للحصن الذي شيده البرتغاليون بموقع البرج البحري القديم (البريجة) سنة 1514 باسم الكاستيلو ريال حيث وقع   بموغادور (الصويرة) سنة 1906.  يبدو أن هناك خلط في الإسم مع الحصن الذي شيده القائد البرتغالي أَزَامْبُودْجا

 – J. Goulven. La place de Mazagan sous la domination portugaise (1502-1769). Paris, Larose, 1917. In-12, 245 p-
(3) – Memorias para a historia da Praça de Mazagam- Luis Maria do Couto de Albuquerque da Cunha-1856- page 4.
(4) Noticia da Fundaçao da Praça de Mazagào, Copie Manuscrite du XVIIIe siècle- Bibliothèque d’Evora.
(5)- Les Sources inédites sur l’Histoire du Maroc- R. Ricard- Tome I – Pub. P. Cenival.
(6)-  Esmeraldo de Situ Orbis – Pacheco Pereira ـ

 جميع الإصدارات التي ظهرت إلى اليوم لا توجد بها الرسوم  والخرائط التي يشير إليها الكاتب في النص

–  ـ(7) وثيقة برتغالية حول مازغان في بداية القرن السابع عشر- لحاكم المدينة جورج ماسكارينَّاس 1615/1619   » ترجمة وتحقيق لروبير ريكار


ّ. ذ. الجيلالي ضريف